يرى ديبلوماسيون ومحللون بأسف أن الانسحاب الأميركي والصعوبات التي يسببها السلوك الحربي لتركيا يهزان حلف شمال الأطلسي ««الناتو» ويدفعان الأوروبيين إلى التزود بقدرات للتحرك من أجل الدفاع عن مصالحهم بشكل مستقل، لكن الخلافات الداخلية تقوض مصداقيتهم.
بدأ حلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي، كل على حدة، العمل من أجل التكيف مع الوضع العالمي الجديد. ولكن من هم الأعداء الشركاء؟ ما هي التهديدات؟ ما هي الوسائل والثغرات ونقاط الضعف؟
بدأ الأوروبيون العمل حيث أعدت أجهزة استخباراتهم المدنية والعسكرية جردة أدرجت في وثيقة سرية. ويفترض أن تسمح هذه «البوصلة الاستراتيجية» للاتحاد الأوروبي «بإدارة أزمات»، ولتحقيق ذلك، بـ«تقليص تبعيتها» واكتساب «قدرات» وتحديد «شراكات».
وقام حلف الأطلسي بالعملية نفسها بعدما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه في حالة «موت دماغي».
ونشرت مجموعة حكماء قامت بهذا العمل الفكري، تقريرها مؤخرا. وناقشه وزراء خارجية دول الحلف خلال مؤتمر بالفيديو قبل أيام، بينما سيعرض الأمين العام للحلف النرويجي ينس ستولتنبرغ مقترحات في فبراير 2021.
لكن الخلافات والمنافسة بين الأوروبيين وبين الحلفاء تقوض المبادرتين.
وتساءلت زيرة الدفاع الألمانية أنيغريت كرامب كارنباور هل الولايات المتحدة التي قررت من جانب واحد الانسحاب من أفغانستان والعراق وأجزاء من أوروبا بحلول نهاية العام، ما زالت حليفا جديرا بالثقة وموثوقا به؟
من جهته، طرح وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان سؤالا: هل ما زال لتركيا التي لم تعد تحترم قواعد الحلف، مكانا فيه؟
سيناقش أعضاء الحلف الأمر هذ الشهر، لكن سيكون عليهم الانتظار حتى يناير 2021 للحصول على ردود من الرئيس الأميركي الجديد جو بايدن.
وسيتعين على الأوروبيين بعد ذلك أن يقرروا ما إذا كانوا يريدون زيادة مشاركتهم في مهمات الحلف في أفغانستان والعراق أو ما إذا كانوا سيتخلون عن هاتين الدولتين.
وحذر ستولتنبرغ من أنه يجب القيام «بخيارات صعبة».
فالأوروبيون لا يشكلون جبهة واحدة لا في الاتحاد الأوروبي ولا في حلف الأطلسي. والخلاف الأكبر يدور بين فرنسا وألمانيا.
وتواجهت باريس وبرلين في منتصف نوفمبر الماضي حول «الاستقلالية الاستراتيجية»، وهو مفهوم فسر بأن يكون الأوروبيون قادرين على التصرف بشكل مستقل.
وقالت وزيرة الدفاع الألمانية «يجب أن تنتهي أوهام الاستقلالية الاستراتيجية». لكن ماكرون اعترض في مقابلة طويلة مع مجلة «لو غران كونتينان»، على «مغالطة تاريخية». وردت كرامب كارنباور بالقول «لم أسمع المستشارة تقول إن الحلف لا ضرورة له».
وأعرب وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزب بوريل عن أسفه «للمناقشات العقيمة والأشبه باللاهوتية أحيانا» حول القدرة اللازمة للرد بشكل مستقل على التحديات.
وحذرت الباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية الألمانية أولريكه فرانك من أن «الرئيس ماكرون قال دائما إن الدفاع الأوروبي مكمل للحلف الأطلسي». وأضافت أن «الاشتباه بأنه يرغب في إضعاف الحلف خطير عندما يقال علنا».
وفي مقابلة مع وكالة فرانس برس، استنكر النائب الفرنسي أرنود دانجان المتخصص في شؤون الدفاع ما وصفه بـ«مشكلة زائفة».
وقال إن «التبعية الأوروبية في العديد من القطاعات هائلة: الطائرات المسيرة وأجهزة نظام تحديد المواقع بالاقمار الاصطناعية (جي بي اس) والأسلحة الموجهة عن بعد، وحتى في مجال الفضاء حيث يحتاجون إلى تنظيم أفضل ليتجنبوا الإخفاق».
وأضاف «يجب أن ننظر إلى تسلسل الأولويات الأمنية. الجميع يعرفون أن لب الحلف الأطلسي هو دوره على الجبهة الشرقية، في مواجهة روسيا».
وأوضح النائب نفسه أن «السياسة الدفاعية الأوروبية تعني إدارة الأزمات وسيتم تنفيذ ذلك على الجبهة الجنوبية في مناطق لم تعد من أولويات الولايات المتحدة».
وأكد أنه «يجب أن يكون لدينا استقلال أوروبي حقيقي على الجانب الجنوبي لأن قرارات الحلف تتخذ بالإجماع وتركيا تشكل مشكلة لأنها تشل الحلف بمعارضتها بعض العمليات في هذه المنطقة وخصوصا في ليبيا».
وتقدم أولريكه فرانك بنصيحة مفادها أنه «على فرنسا وألمانيا وقف النقاشات الزائفة والتركيز على القاسم المشترك بينهما: الرغبة في بناء المزيد من القدرات الأوروبية».